قد تكون قرأت كثيرا في صفحات الحوداث بالجرائد المصرية مصطلح "ضرب يفضي
إلى موت". هذه العبارة – مع تعديل بسيط – تصلح لوصف أهم درس تكتيكي حصل
عليه العالم في مونديال 2010.
"ضغط يفضي إلى موت" ... هكذا كان شعار منتخب إسبانيا في طريقه نحو لقب كأس
العالم. وللتاريخ، فإن حقوق اختراع المفهوم الجديد للضغط لا تعود إلى
فيسنتي ديل بوسكي بقدر ما تعود إلى بيب جوارديولا وجوزيه مورينيو، اللذين
قدما نسخة عام 2010 هذا الدرس.
وقد تقول قراءة سطحية إن الضغط على المنافس أحد أهم العوامل التكتيكية في
كرة القدم منذ سنوات طويلة ولا يوجد ما يبرر إعادة زيارة هذا المفهوم الآن
وتقديمه باعتباره درسا مستفاد من كأس العالم بجنوب إفريقيا، ولكن قليل من
التعمق في الأمر يكشف ثلاثة وجوه جديدة تميز ضغط برشلونة وإنتر ثم إسبانيا
عما يمارسه الجميع في العالم.
حركة الأوكورديون
الفرق الثلاثة السابق ذكرها لا تضغط بعناصر منفردة ولكنها تضغط بجميع أعضاء
الفريق. فالأسلوب المعتاد هو ضغط اللاعب القريب من الكرة على من يواجهه من
الفريق المنافس، كأن يقابل رأس الحربة قلب الدفاع مثلا ثم يضغط الجناح
الأيسر على الظهير الأيمن إذا انتقلت الكرة إليه وهكذا.
ولكن إسبانيا في المونديال ومن قبلها بارسا وإنتر كانوا يتحركون ككتلة
واحدة لا توجد بين عناصرها فراغات. تماما مثل حركة آلة الأوكورديون
الموسيقية، التي تكون مفرودة تماما في لحظة ما ثم تعودة لتنقبض وتتماسك
كأنها قطعة حجر.
فالفريق يكون منتشرا أو "مفرودا" بلغة الأوكورديون عند الهجوم، ولكنه يبدأ
حركة الانقباض هذه مع فقدان الكرة، فتجد رأس الحربة والجناحين المساعدين
يعودون للخلف ويتقدم رباعي الخط الخلفي إلى الأمام فتتحول المساحة الفعلية
للعب إلى ما يقرب من 30 أو 35 مترا تقريبا من مساحة الملعب البالغة 110
مترا.
بهذه الطريقة فإن اللاعبين أصحاب مهارات المراوغة يجدون صعوبة في الاختراق
لأنه ما إن يمر من الأول حتى يجد الثاني والثالث والرابع يضغطون عليه في
نفس الوقت بدلا من انتظار مروره إليهم مثل الطريقة الكلاسيكية، والجميع
شاهد معاناة آرين روبن من هذه الأزمة أثناء اللقاء النهائي.
هذا الانقباض أيضا يجعل من التمريرات الطويلة في عمق الدفاع غالبا ما تنتهي
في مصيدة التسلسل، لأن تقدم رباعي الدفاع حتى يصبحون خلف لاعبي الارتكاز
يجعل قانون التسلل يعمل في صالحهم وليس ضدهم، وهو سبب وقوع كثير من مخضرمي
منطقة الجزاء في العالم ضحية للتسلل أمام هذه الفرق الثلاثة.
التمرير الآمن
الاختلاف الثاني في الضغط الذي طبقته إسبانيا في كأس العالم هو كيفية
التصرف في الكرة بعد استعادتها عن طريق الضغط كما سبق شرحه. فالتمرير
السليم – حتى وإن لم ينتج عنه فرص حقيقية – أهم كثيرا من محاولة إرسال
تمريرات فيها قدر كبير من المخاطرة تنتهي معظمها عند دفاع الفريق المنافس.
الاحتفاظ بالكرة عن طريق ما يمكن تسميته بـ"التمرير الآمن" له سببين الأول
هو التقاط الأنفاس لأن الضغط بطريقة الأوكورديون لفترات طويلة قد يؤدي إلى
نفاذ طاقة اللاعبين سريعا، والثاني سأنقله لكم بكلمات المحلل الإنجليزي
الأشهر "جوناثان ويلسون".
يقول ويلسون في تحليل لأداء الفريق الكاتالوني أمام مانشستر يونايتد في
نهائي النسخة السابقة من دوري أبطال أوروبا: "بعدما يحصل برشلونة على
الكرة، فإنهم لا يخسرونها بسهولة، وبالتالي يضعون ضغطا نفسيا كبيرا على
لاعبي الفريق المنافس".
ويمضي ويلسون قائلا: "وحتى لاعبي الوسط أصحاب الخبرة مثل مايكل كاريك كان
يجد صعوبة نفسية شديدة في إرسال تمريرة سهلة يكررها عشرات المرات في
الدوري، لأنه يعلم أنه إذا أخطأ في إرسال هذه التمريرة، فإنه سينتظر وقتا
طويلا كي يستعيدها من لاعبي برشلونة".
فالفريق يكون منتشرا أو "مفرودا" بلغة
الأوكورديون عند الهجوم، ولكنه يبدأ حركة الانقباض هذه مع فقدان الكرة،
فتجد رأس الحربة والجناحين المساعدين يعودون للخلف ويتقدم رباعي الخط
الخلفي إلى الأمام فتتحول المساحة الفعلية للعب إلى ما يقرب من 30 أو 35
مترا تقريبا من مساحة الملعب البالغة 110 مترا
ونظرة على نسبة التمرير السليم من لاعبي إسبانيا في المونديال تؤكد
التزامهم بهذه القاعدة بصرامة شديدة. فإسبانيا منذ دور الـ16 حتى اللقاء
النهائي تفوز بنتيجة واحدة هي 1-صفر، ما يعني عدم صناعة فرص كثيرة للتهديف
أثناء المباراة إلا في حالة تأكد اللاعب أن هذه التمريرة الأمامية ستذهب
حيث يريدها تماما.
شابي مثلا بلغت نسبة تمريراته السليمة 81% وهي نفس نسبة شابي ألونسو
والاثنان مكلفان بأدوار هجومية في منتصف الملعب، ترتفع هذه النسبة لدى
سيرجيو بوسكيتس الملتزم تماما بالدفاع إلى 88% من التمرير السليم، أي أنه
تقريبا يفقد الكرة مرة واحدة كل عشر تمريرات!
قلبا الدفاع جيرارد بيكي وكارليس بويول لا يقلان دقة عن زملائهما في منتصف
الملعب، فهما قد لا يكونا ساهما في صناعة أهداف ولكن نسبة الأول في
التمريرات السليمة كانت 85% فيما وصل الثاني إلى 88%.
إعادة الانتشار
الوجه الثالث والأخير هو إعادة الانتشار سريعا في الهجمات المرتدة. فالفريق
الذي كان كتلة واحدة في حالة الدفاع، لا يهاجم بالأسلوب نفسه حتى لا يخسر
الفرصة بخنق اللعب في بقعة واحدة في الملعب. أضرب هنا مثلا بالهدفين الثالث
والرابع لألمانيا أمام إنجلترا لأنهما أوضح من أهداف إسبانيا.
فالدفاع الضاغط المنقبض للألمان تحول فجأة إلى موجة هجومية على ينفذها أكثر
من لاعب وبلمسات واحدة وسريعة لم يدر معها الإنجليز من أين ستأتي اللمسة
الأخيرة والتي جاءت في المرتين من لاعب الوسط المتقدم توماس مولر بدلا من
رأس الحربة الصريح الذي جرت العادة أن يكون في أفضل موقع للتسجيل أثناء
الهجمات المرتدة لأنه الأقرب إلى مرمى الفريق المنافس.
الانتشار السريع بعد الحصول على الكرة أدى أيضا إلى تسجيل ديفيد بيا أكثر
من هدف وهو قادم من على الجناح واكتفاء معظم رؤوس الحربة الصريحة –
باستثناء كلوزه – بتوزيع اللعب على الأطراف بدلا من التسجيل بأنفسهم.
ما يكتبه القراء
بات اهتمامي يزيد يوما بعد يوم بما يكتبه القراء والاعضاء الكرام في ركن
FilGoalers. فهناك شباب مثقف يمتلك وجهة نظر ويستطيع التعبير عنها بأسلوب
جميل يكتبون لأنفسهم أولا ولمن يهمه الأمر ثانيا ولا يبتغون من هذه الكتابة
سوى المتعة الشخصية.