فضائل تسجل لمجهول
ناصر الحجيلان- جريدة الرياض السعودية
(1):
لديه مأدبة غداء لضيوف في منزله، كانت والدته هي التي تُعدّ الطعام وتُجهّز القهوة والشاي. وفجأة سقط الصحن الذي يحمل فناجيل القهوة وكأسات الشاي (البيالات)، وتحطّمت كلها. ارتبكت الأم لما حصل وشعرت بالإحباط الشديد. وحينما دخل ابنها يريد أخذ القهوة وجد الوضع كما هو أمامه. طمأن أمّه وهدّأ روعها، ثم خرج من المنزل ليجلب بديلا لما تكسّر من أقرب محل يبيع الأواني المنزلية في الرياض. لم يكن المحلّ قريبًا، ولكنه وصله بسرعة. وحينما اشترى ما أراد ووقف أمام البائع ليسلّمه النقود، تفاجأ أن محفظته لاتحوي أي نقود، فقد أخذها أحد إخوته ممن خوّلهم أن يأخذوا مايريدون من محفظته إذا احتاجوا دون استئذان. ولم يكن لديه بُدّ من الخروج من المحل للبحث عن آلة لصرف النقود، ولكن شخصًا كان يقف خلفه ضرب على كتفه وقال: لاعليك، ومدّ النقود للبائع وهو يقول: أعرفك ونتحاسب فيما بعد، والآن عُد إلى ضيوفك. حاول أن يرفض ولكن ذلك الشخص أحرجه. فقال له: متى أجدك وأين؟ فرد عليه: أنا أعرفك وسنتقابل بإذن الله. عاد إلى ضيوفه وأقام مأدبته، ثم ذهب يبحث عن ذلك الرجل ليعطيه نقوده، لكنه لم يجده ولايدري كيف عرف أن عنده ضيوفًا في ذلك اليوم. والآن وقد مضى أكثر من اثنين وعشرين عامًا على تلك الواقعة، لم يعرف أثرًا لذلك الرجل. وظل يشعره أن فضل ذلك الرجل يُطوّق عنقه وأن عليه أن يقوم بواجب تقديم العون دون سؤال أو تردّد لأيّ شخص يحتاج إلى مساعدة لعلّه يرد شيئًا من الفضل الذي ناله في لحظة عصيبة
>>>>>>
(2):
حينما تزوّجتْ سافرت مع زوجها إلى المدينة التي يعمل فيها، وكانت بعيدة عن أهلها، وسكنت معه في شقة. وذات يوم تأخّر في عودته، وهاتفته وكان جواله مقفلا، وظل مقفلا طوال اليوم، لم تنم تلك الليلة وهي قلقة عليه. ومن الغد جاءها اتصال منه في المساء من رقم لاتعرفه يخبرها أنه بخير وأنه تاه في الصحراء مع أصدقائه وسيعود قريبًا، وأوضح لها أنه لايستطيع أن يُطيل الحديث لأن بطارية الجوال ستنتهي في الحال. وبعد فترة، اتّصل بها شخص آخر لا تعرفه تحدّث معها بحديث عن زوجها ولكنها شعرت بمراودته لها، فخافت على نفسها. وبدأت ترتجف من الهلع، وخشيت أن يقتحم عليها الشقة والناس نيام. فهبطت إلى جيرانها الذين لاتعرفهم، وطرقت عليهم الباب، فخرج عليها الرجل وأخبرته أنها وحيدة في شقتها وأنها خائفة وربما تأتيهم في أي لحظة لأنها لن تستطيع أن تنام. فقال لها: لو كانت زوجتي هنا لجاءت عندك أو بقيت معها، ولكن لاعليك اذهبي وأغلقي على نفسك ولن يمسّك أحد بسوء وهذا الرأس موجود. عادت إلى شقتها وهاتفت أهلها لكي يأتوا لأخذها، وبقيت طوال الليل تصارع الخوف والوجل. ولأنّ المسافة بعيدة فقد استغرق أهلها وقتًا طويلا حتى وصلوها مع الصباح الباكر. ولما نزلت وجدت الجار مادًا فرشة صغيرة وجالسًا عليها ومعه قناة (عجرة كبيرة) مستعدًا للانقضاض على أيّ أحد يقترب من شقتها. شكرته وأخبرته أن أهلها وصلوا الآن وينتظرونها في الخارج ثم مضت. لم تعرف اسمه، ولم تعد إلى تلك المدينة إلى الأبد لأن زوجها لم يعد من غيبته. وقد مرّت على تلك الحادثة ثماني سنوات ولايزال موقف ذلك الجار مثالا على البطولة والنخوة
>>>>>>>>>>>>
(3):
تعطّلت سيارتهم وهم في السفر على الطريق السريع بين المدينة المنورة ومكة المكرمة. داهمهم الليل، وكان الأب وحيدًا بين زوجته وبناته، وليس بيده حيلة لمواجهة الموقف،. ظل وقتًا طويلا يلوّح بيده لكل من عبر فلم يتوقّف له أحد. لكن شابًا توقف، وحاول إصلاح سيارتهم ولمّا فشل قال سأذهب وأحضر شخصًا ليصلحها من أقرب ورشة. وكانت أقرب ورشة تبعد عنهم حوالي سبعين كيلو مترًا. بعد ما يقارب الساعة عاد، ومعه فني، أمضى وقتًا طويلا ولكنه لم يستطع إصلاح السيارة فطلب سحبها إلى الورشة. أعاده ذلك الشاب وجلب الونش من جديد وسحبوا السيارة حتى وصلت الورشة، وأصرّ على أن يركب هو مع صاحب الونش في حين يأخذ الأب أهله ويقودون سيارته. وبعد الوصول إلى الورشة أخذ إصلاح السيارة وقتًا طويلا. الأب شكر الشاب وطلب منه أن يذهب لشأنه فقد تعطل أكثر مما ينبغي، لكنه أصرّ على البقاء للاطمئنان على إصلاح السيارة. وبعد أن صلحت السيارة ودّعهم ومضى. يقول صاحب القصة: ظللت لسنوات وأنا أسافر إلى مدينة ذلك الشاب لعلّي أجده صدفة أريد أن أقدم له الشكر من قلبي، فلم أجده. والآن لنا مايزيد على عشر سنوات ونحن نذهب في الصيف إلى تلك المدينة، لعلّنا نجده، فلم أجده لكني وجدت من يشبهه في الكرم والنخوة، وأجد نفسي عاجزًا عن ردّ ذلك الجميل مهما بذلت
**************
حرية الارادة لا تكون الا في عالم يحدث فيه الخير والشر
وينقاد الانسان الى العمل الصالح غير مكره عليه